حصيرة وطبق قشّ بين ماضٍ عريق وأيادٍ تُحيِّيه

حصيرة وطبق قشّ بين ماضٍ عريق وأيادٍ تُحيِّيه

صناعة القش او مايعرف “ديارة” أطباق القش هي صناعة ريفية بامتياز, حرفة يدوية تقليدية في سورية تقوم بها غالباً النساء في الريف لصنع أطباق القش والسلال لمختلف احتياجاتها المنزلية من أدوات حفظ الطعام أو اللباس أو مصنوعات خاصة بالحلي والزينة، كما تقوم بصناعة بعض المواد التزيينية للمنزل, حيث تعتبر حرفة صناعة القش من المهن المنزلية التي تقوم بها عادة المرأة في الريف السوري حيث تتوفر المواد الأولية الضرورية.

تعتمد صناعة القش على عيدان سنابل القمح بالدرجة الأولى إضافة إلى عيدان الشعير وقش القصب وقشور الخيزران، كما يستخدم القش من بعض النباتات البرية كنبات (السِعِد) الذي ينمو على المستنقعات في مناطق جبل الشيخ أو نبات قصب البربار الذي ينمو على ضفاف الأنهار في حمص وغوطة دمشق والجزيرة السورية، أو نبات السنيبلة الذي ينمو في المناطق الساحلية.

طريقة صناعة أطباق القش

بعد حصاد القمح وتكديسه على البيادر تقوم النساء بجمع عيدان سنابل القمح وتنتقي الجيدة منها, متوسطة الثخانة والطويلة نسبياً (تتراوح بين 35-40 سم), وتقوم بنزع السنبلة والقشور وقصها وتربطها في حزم (شمائل) وتعلقها الى حين بدء فصل الشتاء للعمل بها حيث يحتاج هذا العمل الى وقت فراغ طويل يتوفر بهذا الفصل.

تقوم المرأة بإذابة الأصباغ –إن رغبت بصنع طبق مزخرف بالوان مختلفة- في ماء مغلي وتغمر كل مجموعة بلون مختلف ساعتين تقريباً ثم تقوم بتجفيفها تحت أشعة الشمس حتى تجف تماما للتأكد من التصاق الصباغ جيداً بعيدان السنابل, ثم وقبل العمل مباشرة ينقع القش بالماء (غير مغلي) لمدة ساعة تقريبا حتى تصبح على درجة من اللين تساعد على جدلها ومتابعة تصنيعها.

في البداية تختار المرأة ثلاث قشات غير ملونة غالباً وتجدلها كالضفيرة ثم تلفها بشكل دائري لتصنع العقدة الأساسية التي يعتمد نجاح الطبق ومتانته وتماسكه عل النجاح في إعدادها. يبدأ بعد ذلك إدخال الحشوة المتكوّنة من القش الطري الرفيع داخل القش ويلف القش حوله ثم يلف حول العقدة وتثبت الدوائر الملتفة حول بعضها بواسطة قشة تدخل بالمخرز لتثبت كل دور بالآخر. وتصنع عقدة تثبيت كل ثلاثة أدوار حتى يتسع ويصل الى الحجم المطلوب وتختم الطبق بصنع مثلث صغير مرتفع قليلاً لتعليق الطبق منه ثم تقص القش الزائد وتلف حول نهايته قطعة صغيرة من القماش عدة لفات لتثبيتها. ويتراوح قطر الطبق بين 35سم الى 100سم حسب الاستخدام المطلوب.

طبق قش

أثناء العمل تقوم العاملة بزخرفة الطبق عن طريق الحياكة بالقشات الملونة برسم أشكال هندسية متناظرة كالخطوط المنكسرة والمتعرجة والمثلثات والورود والنجوم أو بعض أشكال الطيور والحيوانات حسب مهارتها وذوقها. أما زمن صنع الطبق الواحد فيستغرق نحو أسبوعين تبعا لمساحته حيث يجري التحكم بقطر الطبق عن طريق تحديد عدد الدوائر القشية التي تؤلفه والتي عادة ما تكون بسماكة واحدة سواء كان الطبق كبيراً أو صغيراً، أما أشكال الأطباق فهي متنوعة بين ما هو مسطح أو مقعر إنما بارتفاعات متفاوتة أقلها دورين و أكثرها ستة حسب الغرض المراد.

أنواع الأدوات المصنوعة من القش

الفرش

وهو طبق دائري مسطح تقريبا يتراوح قطره بين 70- 100سم, ويستخدم لوضع أواني الطعام عليه عند تناول الطعام أي بديلاً للطاولة.

 القفة

وهي طبق دائري مرتفع الحواف كبير نسبياً يستخدم لوضع القمح وتجفيفه به كما يستخدم لنقل الفاكهة والخضار من الحقل

 الكبك

وهو طبق مقعر أشبه بالقبة يعلق من أسفله بحبل في سقف المطبخ وينزل عند الحاجة لتغطية الطعام وحفظه من الحشرات والقوارض.

 القفورة

وهي وعاء عميق تضيق فتحته في الأعلى قليلاً عن قاعدته وله عدة أحجام ويستخدم لحفظ بعض الأطعمة الجافة كالزبيب والتين واللوز كما تستخدمه المرأة لحفظ أدوات الخياطة من إبر وخيطان وأزرار.

خزينة العروس

وهي عبارة عن طبق مخروطي كبير قاعدته ضيقة وفتحته واسعة له غطاء مخروطي أيضاً تستخدمه لعروس لحفظ جهازها.

 الأطباق

بأشكال وأحجام مختلفة تستخدم في المطبخ لنقل الطعام وحفظه او لوضعها تحت الأوعية الساخنة او تعلق على الجدران للزينة.

 الجمامات

وهي أطباق صغيرة حوافها عالية توضع فيها الفواكه والحبوب

 تعتبر حرفة صناعة القش من أهم الصناعات التقليدية الجميلة التي تتوارثها الأجيال في الريف السوري، وتحرص السيدات على تعليم بناتهن لهذه الحرفة التي تؤمن لهن أدواتهن المنزلية الضرورية و قد تقيهنَّ شر العوز. وتترافق ممارسة هذه الحرفة بطقس اجتماعي حيث تجتمع النساء والفتيات الريفيات في بيت إحداهنَّ كل مساء وخاصة في فصل الشتاء لديارة أطباقهن وتبادل الأحاديث والقصص وأخبار الناس والمنافسة لإنجاز مصنوعات القش بسرعة أكبر، وابتكار رسوم جديدة. علاوة على تناول النقولات النيّئة كالتين المجفف والزبيب والجوز.

وغالباً ما يتّضح الحرص على صنع الأطباق الملونة بعد صبغ القش بألوان متعددة, لأنها تُخصّص للطعام أيضاً، ويجب أن تكون متميزة عن الأدوات التي تستعمل في الحقول والبساتين.‏

 إن استخدام الأدوات القشية من العناصر الأساسية في الحياه اليومية للريفيين في سورية، فقد جرت العادة على الاهتمام بتعليمها للفتيات في سن صغيرة كمعظم الأشغال اليدوية المنزلية التي تدل على مهارتها وقدرتها على تحمل مسؤولية الحياة الزوجية. ويشكل الدخل المادي الناتج عن هذه الحرفة جزء هاماً من دخل الأسرة وتعتبر من التراث المادي والمعنوي للريفيين الذي يعكس قدرة الإنسان على تطويع مفردات بيئته لاشباع حاجاته الانسانية.

 إن انخفاض الطلب على أطباق وسلال القش المصنوع يدوياً نتيجة منافسة المنتجات الحديثة من جهة وتغيير نمط الحياة وضعف المردود المادي من جهة أخرى أديا إلى تراجع رغبة الفتيات بتعلم الحرفة وبالتالي تناقص عدد الخبيرات به وضعف اليد العاملة.

 تتمتع أطباق القش والسلال بمختلف أشكالها بجاذبية خاصة تمتزج بالحنين للعودة إلى الطبيعة، ويُلاحظ أن معظم البيوت الحديثة تقتني على الأقل قطعة من القش تتفاخر بها كجزء من ديكور تجميل المنزل و هذا ما يشجع على العودة إلى العمل به من جهة و على تطوره من جهة أخرى.

كتب المقالة: أندريه ديب

الصور من صفحة بعيت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *